رد شبهات اللئام حول تعدد الزوجات في الإسلام

الذي أباح تعدد الزوجات اللطيف الخبير، وهو أعلم بما يصلح العباد، وما يضرهم؛ وقد حث سبحانه على الزواج، وجعل التكاثر في النسل مدعاة لمباهاة النبي عليه الصلاة والسلام بذلك يوم القيامة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «تزوجوا الودود الولود إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة».

  • التصنيفات: السيرة النبوية -


لقد جاء الإسلام بالحث على كل خير، والتحذير من كل شر، ومما جاء الإسلام بالحث عليه، وإباحته: "تعدد الزوجات" لما في ذلك من المصالح العظيمة، والفوائد الجليلة للرجال والنساء خاصة، وللمجتمع عامة، ولم يترك ذلك عبثًا وهملاً، بل وضع لذلك ضوابط صارمة، وشروط مشددة؛ وهذه منقبة من مناقب الإسلام العظيمة، ومحمدة من محامده الحسنة؛ كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة النبوية الصحيحة، ودل عليه الواقع، وشهد به المنصفين من أعداء الملة!

ومع هذا كله؛ فهناك ثلة من أعداء الإسلام اللئام؛ طفحت قلوبهم حقدًا على الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام وعميت بصائرهم وأبصارهم عن محاسنه العظيمة، فتطاولت ألسنتهم بإثارة شبهات عديدة حو "تعدد الزوجات في الإسلام"، وسطرت ذلك أقلامهم، وطفحت بذلك كتبهم، وضجت به قنواتهم.

ومن أبرز الشبهات التي يثيرونها حول تعدد الزوجات في الإسلام ما يأتي مع الرد عليها:
الشبهة الأولى: أن الإسلام أباح تعدد الزوجات لمصلحة الرجل على حساب المرأة! وذلك بتلبيته لرغبات الرجل وانتقاصه من حقوق المرأة في المعاملة بالمثل! فلم يجز لها أن تقترن بأكثر من رجل في آن واحد؛ كما أجاز ذلك للرجل!

الرد على هذه الشبهة من خلال النقاط الآتية:
أولاً: أن تعدد الزوجات ليس خاصا بالإسلام، فقد كان موجودًا قبل مجيئه بآلاف السنين، وكان ذلك من دون قيد أو شرط، بخلاف الإسلام فقد وضع لذلك ضوابط صارمة، وشروط مشددة، وما يدل على أن تعدد الزوجات كان موجوداً قبل الإسلام أنه: كان للفرعون الشهير رمسيس الثاني ثمان زوجات، وعشرات المحظيات، وأنجب منهن أكثر من مائة وخمسين ولداً وبنتاً، وأسماء الجميع منقوشة على جدران المعابد، وأجساد بعضهن موجودة حتى الآن بالمتاحف. وكان لفرعون موسى عِدَّة زوجات منهن السيدة آسية رضي الله عنها التي ربّت موسى عليه السلام وكانت قد احتضنته رضيعًا ومنعت فرعون من قتله لتتخذه ولداً (زوجات لا عشيقات، ص(4) لحمدي شفيق).

ثانياً: أن تعدد الزوجات كان مباحا في شرائع الأنبياء قبل نبوة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وقبل نزول القرآن عليه؛ فقد تزوَّج خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام سارة وهاجر، ثم اثنتين أخريين هما: قطور ابنة يقطان الكنعانية، وحجون بنت أهيب. وكان لداود عليه السلام زوجات عدة؛ قال تعالى: {فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا} [النساء:54].

قال ابن كثير رحمه الله: "يعني ما آتى الله سليمان بن داود كانت له ألف امرأة، سبعمائة مهرية، وثلاثمائة سرية، وكانت لداود عليه السلام مائة امرأة منهن امرأة أوريا أم سليمان بن داود التي تزوجها بعد الفتنة هذا أكثر مما لمحمد صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر الكلبي نحو هذا، وأنه كان لداود عليه السلام مائة امرأة ولسليمان ألف امرأة، منهن ثلاثمائة سرية" (قصص الأنبياء(2/278) وانظر: البداية والنهاية(2/19)ط: إحياء التراث).

ومما يؤكد ذلك ما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «قال سليمان بن داود: "لأطوفن الليلة على تسعين امرأة كلها تأتي بفارس يقاتل في سبيل الله"، فقال له صاحبه: "قل إن شاء الله"، فلم يقل إن شاء الله فطاف عليهن جميعاً فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة فجاءت بشق رجل، وأيم الذي نفس محمد بيده لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانًا أجمعون» (رواه مسلم(1654).

فهذا الحديث يدل دلالة واضحة أن سليمان عليه السلام كانت تحته تسعين امرأة؛ فلماذا اللئام أعداء الإسلام يقبلون هذه الأعداد الهائلة، ولا يجدون فيها أية غرابة، بينما تمتلئ قلوبهم حقداً على نبينا عليه الصلاة والسلام فيستعظمون أنه تزوج أحدى عشرة امرأة جُلُهن أرامل ومطلقات، وبعضهن أكبر منه سنّاً؟! وذلك مما اختص به عليه الصلاة والسلام عن بقية أُمَّته.

ثالثاً: أن تعدد الزوجات كان منتشراً في الجزيرة العربية قبل الإسلام؛ كما تدل على ذلك شواهد عديدة؛ منها: "أن غيلان بن سلمة الثقفي أسلم وتحته عشر نسوة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن أربعاً» (رواه أحمد(4595)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان (6/245) رقم (4144). وعن وهب الأسدي قال: "أسلمت وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبي  صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اختر منهن أربعا»" (رواه أبو داود(2241). وابن ماجه(1952)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1939). وعن نوفل بن معاوية، قال: "أسلمت وتحتي خمس نسوة، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «فارق واحدة، وأمسك أربعاً»" (رواه الشافعي في مسنده(3/70) رقم(1191) ترتيب سنجر).

رابعاً: واقع هؤلاء اللئام يكذبهم فيما يزعمونه! فإنهم لم ولن يكتفوا بامرأة واحدة؛ كما تشهد على ذلك الفوضى الجنسية العارمة! والدنس والانحلال! وذلك ليس بخاف على أحد، بل ذ?ك مما عم زعمائهم ورؤساءهم -ناهيك عن عامتهم-، وما فضائح الرئيس الفرنسي عنا ببعيد! وغيره كثير جداً! بل روجوا لذلك بوسائلهم الإعلامية الهابطة! وقنواتهم الفضائية المنحلة!!

خامسًا: شهادة كبار علماء الاجتماع عندهم؛ فقد شهدوا بعظمة الإسلام في إباحته لتعدد الزوجات؛ فهذا المفكر الفرنسي الكبير "جوستاف لوبون" يرى أن نظام التعدد الذي أقَرَّه الإسلام هو أفضلُ حلٍ ممكن لضبط العلاقات بين الجنسين، كما يذكر ذلك في كتابه (حضارة العرب) فيقول: "إن التعدد كان موجوداً قبل الإسلام، وأن أحوال المسلمات أفضل كثيراً من أحوال الأوروبيات" (ينظر كتاب جوستاف لوبون الرائع (حضارة العرب) ترجمة عادل زعيتر، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب، نقلًا عن كتاب: (زوجات لا عشيقات).

ونحن ولله الحمد في غنى عن شهادتهم، ولكن نذكر ذلك من باب: "والحق ما شهدت به الأعداء!"، ومن باب الرد على المستغربين من أبناء جلدتنا، والذين يتكلمون بألسنتنا، والذين يتبجحون ويفتخرون بما عليه الغرب!!

سادساً: واقع المرأة العفيفة العاقلة نفسها، فإنها تفضل العيش مع رجل متزوج بأكثر من امرأة؛ مع العدل وكفالة حقوقها وأولادها؛ ولا تحب أن تعيش عيشة العُنُوسة، أو أن تعيش مع زوج له خدنات وعشيقات! كما صرحت بذلك كثير من النساء العفيفات!

وقد يعترض معترض فيقول: لماذا لم يجز الإسلام للمرأة أن تقترن بأكثر من رجل كما أجاز ذلك للرجل؟! 

فنقول: لو أنه أباح للمرأة أن تتزوج بأكثر من رجل في وقت واحد؛ كما أباح للرجل! لأدى ذلك إلى مفاسد عظيمة؛ منها: هدم كلية من كليات الإسلام الخمس، وهي حفظ العرض، واختلاط الأنساب، والطعن في الأنساب، وانتشار الأمراض القاتلة، وغير ذلك من المفاسد؛ ومع هذه المفاسد كلها نوجه لهذا المعترض عدة أسئلة:

السؤال الأول: إذا أنجبت المرأة التي تعاشر أكثر من أزواج في آن واحد لمن يكون الطفل؟!

السؤال الثاني: إذا طلب كل زوج من أزواجها مجيئها إلى فراشه في وقت واحد؛ فمن تُجيب؟ وكيف تَصنع؟ وما هو الحل؟!

السؤال الثالث: إذا كان الأزواج في بيت واحد؛ فمن يدير دفة الأمور؟! ولمن يكون الأمر والنهي؟!

السؤال الرابع: إذا كنتم أيها المتشدقون بهذه الشبهة صادقين فعلاً فيما تزعمون: فلماذا تلومون الرجل الذي تزوج بأكثر من زوجة ولا تلومون المرأة التي وافقت على الزواج منه مع علمها بذلك؟! وأنَّى له أن يجيب على هذه الأسئلة؟!

ثامناً: ليس صحيحاً أن الإسلام أباح تعدد الزوجات لمصلحة الرجل فحسب، بل أباح ذلك لمصلحة المرأة والرجل جميعاً؛ قال صاحب أضواء البيان: "فالقرآن أباح تعدد الزوجات لمصلحة المرأة في عدم حرمانها من الزواج، ولمصلحة الرجل بعدم تعطل منافعه في حال قيام العذر بالمرأة الواحدة، ولمصلحة الأمة ليكثر عددها فيمكنها مقاومة عدوها لتكون كلمة الله هي العليا، فهو تشريع حكيم خبير لا يطعن فيه إلا من أعمى الله بصيرته بظلمات الكفر. وتحديد الزوجات بأربع؛ تحديد من حكيم خبير، وهو أمر وسط بين القلة المفضية إلى تعطل بعض منافع الرجل، وبين الكثرة التي هي مظنة عدم القدرة على القيام بلوازم الزوجية للجميع" (أضواء البيان(3/24)).

ولو تأمل منصف في المصالح التي تجنيها المرأة من وراء تعدد الزوجات لوجدها أكثر من الرجل، ومن ذلك: أن تعدد الزوجات يعد حلا لمشكلات عديدة تخص المرأة؛ ومنها:

1- الحد من انتشار ظاهرة العُنُوسة، وتفشيها في المجتمعات، فقد باتت هذه الظاهرة آفة تهدد كيان المجتمعات العربية ناهيك عن المجتمعات الغربية! ؛ فقد أظهرت دراسة الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر: "أن عدد من وصلوا إلى سن الخامسة والثلاثين دون زواج، وصل إلى تسعة ملايين شخص، منهم ما يزيد على ثلاثة ملايين امرأة، وستة ملايين رجل. كما أوضحت إحصائية وزارة التخطيط السعودية أن عدد النساء اللاتي بلغن الثلاثين دون زواج وصل إلى مليون و90 ألف.

ووفقاً للإحصائيات الرسمية الجزائرية فإن نسبة النساء العازبات وصلت إلى 51% من إجمالي عدد النساء، من بينهم أربعة ملايين فتاة لم يتزوجن رغم تجاوزهن الرابعة والثلاثين عاماً. وأوضحت الدراسة التي أعدها أستاذ علم الاجتماع الأردني الدكتور إسماعيل الزيود بعنوان "واقع العُنُوسة في العالم العربي" أن 50 % من الشباب السوري عازبون، و60 % من الفتيات السوريات عازبات، وبذلك تكون النسبة الكلية في الأردن نحو 55% ممن بلغوا سن الزواج. وفي نفس السياق فإن نسبة العازبين بلغت 20% في كلٍّ من السودان والصومال، وفي العراق 85 % ممن بلغن سن الزواج وتجاوز عمرهن الخامسة والثلاثين بسبب العيش في ظل الاحتلال.

وأظهرت الدراسة أن نسبة العازبات في البحرين أكثر من 20%، وفي الكويت 30%، وأن 35% من الفتيات في كل من الكويت وقطر والبحرين والإمارات بلغن مرحلة العُنُوسة أو (اليأس من الزواج)، وانخفضت هذه النسبة في كل من السعودية واليمن، بينما بلغت 20% في كل من السودان والصومال، وبلغت 10% في كل من سلطنة عمان والمملكة المغربية، وكانت في أدنى مستوياتها في فلسطين حيث لم تتجاوز فتاة واحدة من بين كل مائة فتاة" [نقلًا عن موقع "مجلة البيان" على شبكة الانترنت، على الرابط التالي: (http://www.albayan.c...cle.aspx?ID=499)، فلو لم يكن محاسن التعدد إلا القضاء هذه الظاهرة لكفى!

2- توفير حياة اجتماعيَّة مستقرَّة لمن تحتاج إلى ذلك من الأرامل والمطلقات والغير قادرات على الإنجاب، والطاعنات في السن. وغير ذلك من المصالح التي يعود نفعها للمرأة.

تاسعاً: أن تعدد الزوجات في العصر الحديث أصبح حاجة ماسة لأسباب عدة، قال صاحب أضواء البيان: "ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها، هي إباحة تعدد الزوجات لأمور محسوسة يعرفها كل العقلاء، منها:

1- أن المرأة الواحدة تحيض وتمرض، وتنفس إلى غير ذلك من العوائق المانعة من قيامها بأخص لوازم الزوجية، والرجل مستعد للتسبب في زيادة الأمة، فلو حبس عليها في أحوال أعذارها لعطلت منافعه باطلًا في غير ذنب.

2- أن الله أجرى العادة بأن الرجال أقل عددا من النساء في أقطار الدنيا، وأكثر تعرضاً لأسباب الموت منهن في جميع ميادين الحياة، بسبب الحروب الطاحنة التي تنشب بين الدول، ولأن نسبة عدد المواليد من الإناث أكثر من عدد المواليد من الذكور، فلو قصر الرجل على واحدة، لبقي عدد ضخم من النساء محروماً من الزواج، فيضطرون إلى ركوب الفاحشة فالعدول عن هدي القرآن في هذه المسألة من أعظم أسباب ضياع الأخلاق، والانحطاط إلى درجة البهائم في عدم الصيانة، والمحافظة على الشرف والمروءة والأخلاق، فسبحان الحكيم الخبير.

3- أن الإناث كلهن مستعدات للزواج، وكثير من الرجال لا قدرة لهم على القيام بلوازم الزواج لفقرهم، فالمستعدون للزواج من الرجال أقل من المستعدات له من النساء؛ لأن المرأة لا عائق لها، والرجل يعوقه الفقر وعدم القدرة على لوازم النكاح، فلو قصر الواحد على الواحدة، لضاع كثير من المستعدات للزواج أيضاً بعدم وجود أزواج، فيكون ذلك سبباً لضياع الفضيلة وتفشي الرذيلة، والانحطاط الخلقي، وضياع القيم الإنسانية" (أضواء البيان(2/22- 23) وللمزيد ينظر: في ظلال القرآن فقد أفاد وأجاد في الكلام حول هذه المسألة).

4- التعدد يقلل من أعداد البغايا والمواليد غير الشرعيين، وتندر معه الأمراض الجنسية المنتشرة في الغرب.


الشبهة الثانية: أن الإسلام أهدر كرامة الزوجة التي يقترن زوجها بأخرى، أو أخريات، ولم يعبأ بمشاعرها وأحاسيسها؟!

الرد على هذه الشبهة: أن الإسلام حينما أباح تعدد الزوجات لم يجعل ذلك موافقا لهوى الرجل واختياره؛ بل ألزم الرجل بمراعاة شروط عدة، منها:

1- أن يكون قادرا على التعدد، والقدرة تعني النفقة، والوطء، وما أشبه ذلك.

2- أن لا يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات في آن واحد؛ قال تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء:3]. قال ابن سعدي رحمه الله: "أي مَنْ أحب أن يأخذ اثنتين فليفعل، أو ثلاثاً فليفعل، أو أربعاً فليفعل، ولا يزيد عليها؛ لأن الآية سيقت لبيان الامتنان، فلا يجوز الزيادة على غير ما سمى الله تعالى إجماعًا"(تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص(163) مؤسسة الرسالة).

وقال صاحب الظلال: "فقد جاء الإسلام إذن، وتحت الرجال عشر نسوة أو أكثر أو أقل- بدون حد ولا قيد- فجاء ليقول للرجال: إن هناك حداً لا يتجاوزه المسلم -هو أربع- وإن هناك قيداً -هو إمكان العدل- وإلا فواحدة..أو ما ملكت أيمانكم.. جاء الإسلام لا ليطلق، ولكن ليحدد، ولا ليترك الأمر لهوى الرجل، ولكن ليقيد التعدد بالعدل، وإلا امتنعت الرخصة المعطاة! " (للمزيد يراجع: ظلال القرآن(1/578- 579) ط: الشروق، ففيه كلام نفيس حول هذه المسألة المهمة).

3- أن يعدل بين زوجاته، ولا يجور في ذلك، بل يكون غاية في القسط والعدل، وذلك بأن يعدل بينهن في النفقة، والمبيت، والمسكن، وما أشبه ذلك. فإذا توفرت هذه الشروط جميعها جاز له التعدد، وإلا فلا يجوز له ذلك.


الشبهة الثالثة: أن تحقيق العدل بين الزوجات مستحيلاً! وربما استدلوا على ذلك بجزء من آية: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النساء:129].

الرد على هذه الشبهة: أن العدل بين الزوجات ليس مستحيلاً، بل ذلك ممكناً ومتيسراً؛ كما تدل على ذلك حالات كثيرة من أحوال الرجال المتزوجين بأكثر من امرأة، وإن وُجد بعض الحالات التي جار فيها بعض الرجال على زوجاتهم، فتلك حالات نادرة! والنادر لا حكم له كما تدل على ذلك النصوص الشرعية، وأيضاً يقال في هذه الحالات الشاذة والنادرة أن العيب والخلل في الرجل نفسه، وليس ذلك عيباً وخللاً في الإسلام الذي أباح ذلك بشروطه وضوابطه!

وأما ما استدل به المشككون في إمكانية العدل بين الزوجات في قوله: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} فنقول: إن فالمقصود بالعدل الذي لا يُستطاع في الآية: "الميل القلبي" فإن الرجلَ لا يملكُ قلبَه الذي بين جنبيه، ولذلك كان دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: «اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» [رواه الترمذي(1140). وابن ماجه(1971) وأحمد(2207) من حديث عائشة رضي الله عنه، وقال محققو المسند: "هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة -وعبد الله ابن يزيد- وهو رضيع عائشة- فمن رجال مسلم، وأخرج البخاري لحماد تعليقاً، وقد أخطأ حماد بن سلمة في وصله، والصواب أنه مرسل"]. 

فالرجل يستطيع العدل بين زوجاته في النفقة والكسوة والقسم في المبيت والفراش، ونحو ذلك، وذلك هو المطلوب شرعاً، وأما ميل القلب فليس مطلوبا شرعاً؛ لأن العبد لا يملك ذلك؛ ولم يكلفه الله بذلك، لأن تكليفه بذلك تكليف بما لا يستطاع، والله لم يكلف العباد إلا بما يستطيعونه: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16]، وقال: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ} [البقرة:286]. قال صاحب الظلال: "والعدل المطلوب هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة. أما العدل في مشاعر القلوب وأحاسيس النفوس، فلا يطالب به أحد من بني الإنسان، لأنه خارج عن إرادة الإنسان" (في ظلال القرآن(1/582).

ومع أن المقصود بالعدل الذي لا يستطاع هو "الميل القلبي"؛ فقد حذر الله الزوج من أن يتبع ذلك ميلاً بالفعل؛ وذلك بالإخلال بمفهوم العدل المطلوب شرعاً، فقال تعالى: {فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء:129] أي إذا حصل منكم ميلاً بقلوبكم إلى بعض الزوجات، فيجب أن لا يؤدي ذلك إلى الميل بالأفعال، فتظلمونهن فيما يجب عليكم من المبيت والنفقة، وما أشبه ذلك.

وحذر النبي صلى الله عليه وسلم الزوج من الجور والظلم؛ فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت له امرأتان؛ فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة، وشقه مائل» (رواه أبو داود(2133)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود(1851)، وفي صحيح الترغيب والترهيب(1949).

ويؤيد ما قررناه في الرد على هذه الشبهة ما قاله صاحب الظلال: "هذه الآية التي يحاول بعض الناس أن يتخذوا منها دليلاً على تحريم التعدد. والأمر ليس كذلك. وشريعة الله ليست هازلة، حتى تشرع الأمر في آية، وتحرمه في آية، بهذه الصورة التي تعطي باليمين وتسلب بالشمال! فالعدل المطلوب في الآية الأولى والذي يتعين عدم التعدد إذا خيف ألا يتحقق هو العدل في المعاملة والنفقة والمعاشرة والمباشرة، وسائر الأوضاع الظاهرة، بحيث لا ينقص إحدى الزوجات شيء منها وبحيث لا تؤثر واحدة دون الأخرى بشيء منها.. على نحو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو أرفع إنسان عرفته البشرية، يقوم به. في الوقت الذي لم يكن أحد يجهل من حوله ولا من نسائه، أنه يحب عائشة رضي الله عنها ويؤثرها بعاطفة قلبية خاصة؛ لا تشاركها فيها غيرها.. فالقلوب ليست ملكاً لأصحابها. إنما هي بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" (في ظلال القرآن(1/582). ومع هذا كله فقد أجاز الإسلام للمرأة أن تطلب فراق زوجها إذا رأت منه جوراً وحيفاً واضحاً وبيناً، وإن صبرت على ذلك؛ رفع الله قدرها، وضاعف أجرها.


الشبهة الرابعة: أن تعدد الزوجات يلزم منه الخصام والشغب الدائم بين الزوج وزوجاته؛ لأن الزوج كلما أرضى إحداهن سخطت الأخرى، وهذا ليس من الحكمة! زعموا!

الرد هذه الشبهة: أن تعدد الزوجات لا يلزم منه الخصام والشغب الدائم بين الزوج وزوجاته؛ ومن زعم ذلك فكلامه ساقط؛ قال الشنقيطي رحمه الله: "يظهر سقوطه لكل عاقل؛ لأن الخصام والمشاغبة بين أفراد أهل البيت لا انفكاك عنه البتة، فيقع بين الرجل وأمه، وبينه وبين أبيه، وبينه وبين أولاده، وبينه وبين زوجته الواحدة. فهو أمر عادي ليس له كبير شأن، وهو في جنب المصالح العظيمة التي ذكرنا في تعدد الزوجات من صيانة النساء وتيسير التزويج لجميعهن، وكثرة عدد الأمة لتقوم بعددها الكثير في وجه أعداء الإسلام كلا شيء؛ لأن المصلحة العظمى يقدم جلبها على دفع المفسدة الصغرى. فلو فرضنا أن المشاغبة المزعومة في تعدد الزوجات مفسدة، أو أن إيلام قلب الزوجة الأولى بالضرة مفسدة، لقدمت عليها تلك المصالح الراجحة" (أضواء البيان(2/23).

وقد دل تجارب الرجال المعددين العادلين أنهم يعيشون هم وزوجاتهم في سعادة وطمأنينة، مع أن المشاغبات توجد في البيوت التي لا يوجد فيها إلا زوج وزوجة فقط، فلا يخلو بيت من المشاغبات؛ وإذا كانت المشاغبات بقدر معلوم فهي بمثابة الملح للطعام تعطيه ذوقا وشهية!

الشبهة الخامسة: أن الرجل إذا تزوج بأكثر من امرأة أدى ذلك إلى كثرة النسل، وبالتالي يؤدي إلى انتشار الفقر، وكثرة البطالة في البلاد!

الرد على هذه الشبهة: أن الذي أباح تعدد الزوجات اللطيف الخبير، وهو أعلم بما يصلح العباد، وما يضرهم؛ وقد حث سبحانه على الزواج، وجعل التكاثر في النسل مدعاة لمباهاة النبي عليه الصلاة والسلام بذلك يوم القيامة؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «تزوجوا الودود الولود إني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة» (رواه أحمد(13157)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح(3091). وفي "آداب الزفاف"(89)). وهو سبحانه الغني الكريم، وقد تكفل بأرزاق العباد، قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [التوبة:28]. 

وقال: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود:6]. وجاء في الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله وعمله وشقي أو سعيد...» (رواه مسلم(2643).

وعليه فليس صحيحًا أن كثرة النسل يؤدي إلى العيلة، وكثرة البطالة! قال الدكتور محمد عبد السلام محمد: "إن من المعلوم في العالم وعلى مر العصور أن كثرة النسل مع حسن التربية من عوامل قوة الأمة وازدهارها، وأوضح الأمثلة على ذلك اليابان والصين، فما يزعمونه منشؤه سوء التربية، وليس كثرة النسل، فالبطالة موجودة في كثير من الدول العربية، مع أن أرضها واسعة، ومواردها كثيرة، ولو أحسن استغلالها لاستوعبت أضعاف من يعيشون فيها.. " إلى أن قال: "ولو قيست هذه المضار المظنونة بمصالح التعدد المحققة لرجحت المصالح لما تحققه من خير كثير يربوا آلاف المرات على أمور يمكن تلافيها باتباع تعاليم الله في العدل وحسن التربية" [الكلمات في بيان محاسن تعدد الزوجات(68) هاشم بن حامد الرفاعي، نقلًا عن كتاب فضل تعدد الزوجات، ص(24) خالد الجريسي].

وقد سئل ابن عثيمين رحمه الله عن حكم الشرع فيمن يقول: "إن فقر وضعف وتخلف المسلمين في هذا العصر نتيجة للانفجار السكاني وكثرة النسل تفوق الاقتصاد الغذائي؟"

فأجاب بقوله: "إن رأيه -أي القائل لذلك- خطأ كبير، وذلك لأن الله تعالى هو الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، وليست العلة كثرة السكان؛ لأنه ما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، ولكن الله عز وجل يعطي لحكمة، ويمنع لحكمة... ونصيحتي أن العالم مهما كثروا؛ فإن الله  تعالى لو شاء لبسط لهم الرزق، ولكن الله قال في كتابه: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء} [الشورى:27] [من فتاوى مكتوبة لفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين، وعليها توقيعه، نقلاً عن كتاب: فضل تعدد الزوجات، ص(25) لخالد الجريسي].

فهذه أبرز شبهات اللئام التي يثيرونها حول تعدد الزوجات في الإسلام مع الرد عليها، وبذلك نكون قد أفحمنا هؤلاء اللئام، وبصرنا أبناء ملتنا من رجال ونساء بمحاسن تعدد الزوجات في الإسلام، وفقنا الله وجميع المسلمين إلى كل خير، وصرف عنا كل سوء ومكروه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على خير البريات، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أولي المقامات الساميات.

 

 عبده قايد الذريبي