ما ينبغي على المحروم من الحج فعله

من كرم الله تعالى إذ عوض من لم يحج بأن جعل الاجتهاد في الطاعة والعبادة أيام العشر أفضل عمل عنده، فعلى المؤمن أن يجتهد في هذه العشر قدر المستطاع، وأن يعمرها بالصيام والقيام والذكر، قال بعض السلف: "كانوا يعظمون ثلاثة أعشار: العشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، والعشر الأول من محرم".

  • التصنيفات: الحث على الطاعات - ملفات الحج وعيد الأضحي -

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فهذه جملة من الأعمال التي ينبغي على المحروم من الحج أن يحرص عليها:
1- أن يرضى بقضاء الله تعالى، ويحمده عليه؛ فالرب حكيم عليم، وله في أقداره حِكَم؛ فعلى العبد التفويض إلى ربه، وتسليم أمره إليه، ولا ينافي ذلك حزن القلب على فوات الحج، وقد تقدم هذا المعنى.

2- أن يقول دعاء المصيبة: "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها"، فمصيبة الدين أشد من مصائب الدنيا، وفي الحديث الصحيح المعروف: «مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَأَخْلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا» (رواه مسلم).

3- أن يدعو الله تعالى لإخوانه الحجاج أن يقبلهم ويثيبهم، وأن يرحم المسلمين جميعًا بفضل حجهم ودعائهم، وكان بعض السلف يدعو لإخوانه، ويقول: "دعائي لإخواني أرجى عندي من دعائي لنفسي؛ لأن الملائكة تؤمن على دعائي لإخواني، ودعائي لنفسي قد يرد لعصياني"، يقصد حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ وَلَكَ بِمِثْلٍ» (رواه مسلم).

4- أن يساعد الحجاج قدر طاقته؛ فيعطيهم من المال لو احتاجوا، ويعلمهم المناسك لو استطاع، ويزودهم بالطعام قدر المستطاع.

5- أن يخلف الحجاج في أهليهم فينفق عليهم، ويقضي لهم حوائجهم؛ ففي الحديث: «وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا» (متفق عليه)، قلتُ: والحج في سبيل الله تعالى كالجهاد، ففي الحديث: «جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» (رواه النسائي، وحسنه الألباني)، فيرجى لمن خلـَّف الحجاج في أهليهم بخير أن يكون كمن حج.

6- أن يهتم بإصلاح قلبه ونفسه؛ فالحج عمل بدني، وصلاح القلوب أكبر ثوابًا، فكم من حاجٍ مراءٍ، وكم من حاج ليس له من حجه إلا التعب والنفقة.

وقال رجل في موقف عرفة: "ما أكثر الحاج؛ فقال ابن عمر رضي الله عنهما: "الراكب كثير والحاج قليل".
ونام بعض السلف في موقف عرفة، فقيل له: "أما ترى هؤلاء الحجاج؟ فما حج منهم إلا فلان وفلان، وذكر رجلاً لم يحج لعذر".

موعظة:
من فاته التجرد من الملابس بالإحرام.. فليزهد في الدنيا وليترك الحرام.
ومن فاته أن يلبي بلسانه..  فليلزم وليلب بجنانه.
ومن فاته أن يطوف ببيت الرحمن.. فليطف بقلبه في رياض القرآن.
ومن فاته السعي والمبيت بمنى.. فليسع في الخير وليبت طائعًا ها هنا.
ومن فاته الوقوف بعرفة.. فليقم لله بحقه الذي عرفه.
ومن فاته الذبح بمنى.. فليذبح هواه ها هنا وقد نال المنى.

ومن فاته رمي الجمار.. فليعصِ شيطانه وليُزل عن كاهله الأوزار.
ومن فاته أن يحلق شعره بالأمواس.. فليزُل ما في قلبه من أدناس.
ومن فاته الذكر والدعاء بالمشعر الحرام.. فعليه بهما بالسحر والناس نيام.
7- أن يحرص على الدعاء في أوقات استجابة الدعاء عساه أن يعوض فضل الدعاء أثناء أداء المناسك وهذه الأوقات هي:

1- آخر ساعة قبل غروب الشمس يوم الجمعة؛ ففي الحديث: «إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ» (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وفي رواية: «الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وفي رواية: «فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ» (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني).

2- يوم عرفة؛ ففي الحديث الصحيح: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ» (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

3- دبر الصلوات المكتوبات والثلث الأخير من الليل؛ ففي الحديث عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: «جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرُ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

- ودبر الصلوات المكتوبات أي قبل التسليم وبعد التشهد، وقيل: بعد الانتهاء من الصلاة، وكلا القولين محتمل إلا أنه إذا دعا بعد الصلاة لا يرفع يديه لعدم ورود ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته رضي الله عنهم.

4- أثناء السجود؛ ففي الحديث: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ» (رواه مسلم)، وفي رواية له: «وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ»، قمن أي: جدير.

5- عند نزول المطر؛ ففي الحديث: «ثِنْتَانِ مَا تُرَدَّانِ: الدُّعَاءُ عِنْدَ النِّدَاءِ، وَتَحْتَ الْمَطَرِ» (رواه الحاكم، وحسنه الألباني).

6- بين الأذان والإقامة، وعند إقامة الصلاة؛ ففي الحديث: «الدُّعَاءُ لاَ يُرَدُّ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ» (رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني).

7- عند حضور المريض والميت؛ ففي الحديث: «إِذَا حَضَرْتُمُ الْمَرِيضَ أَوِ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ» (رواه مسلم).

8- عند صياح الديك؛ في الحديث: «إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ فَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا» (متفق عليه).

9- عند إفطار الصائم؛ ففي الحديث: «ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ لاَ تُرَدُّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الصَّائِمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ» (رواه البيهقي، وصححه الألباني).

10- الدعاء بالسحر والاستغفار به؛ قال الله تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ} [آل عمران: 17]، وفي الحديث الصحيح المشهور: «إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ هَلْ مِنْ تَائِبٍ هَلْ مِنْ سَائِلٍ هَلْ مِنْ دَاعٍ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ» (رواه مسلم).


11- أن يستغل العشر الأوائل من ذي الحجة في العبادة، ويجتهد فيها قدر المستطاع؛ ففي الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ». فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم-: «وَلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ» (رواه البخاري).

وهذا من كرم الله تعالى؛ إذ عوض من لم يحج بأن جعل الاجتهاد في الطاعة والعبادة أيام العشر أفضل عمل عنده، فعلى المؤمن أن يجتهد في هذه العشر قدر المستطاع، وأن يعمرها بالصيام والقيام والذكر، قال بعض السلف: "كانوا يعظمون ثلاثة أعشار: العشر الأواخر من رمضان، والعشر الأوائل من ذي الحجة، والعشر الأول من محرم".

وقال شيخ الإسلام: "نهار أيام العشر من ذي الحجة أفضل من نهار العشر الأواخر من رمضان، وليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من أجل ليلة القدر".

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 هشام عبد الجواد الزهيري