من أقوال السلف في بركة العلم ولذته

فهد بن عبد العزيز الشويرخ

للسلف أقوال في بركة العلم ولذته, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

  • التصنيفات: طلب العلم -

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالبركة وهي: الخير الكثير الدائم, من أجل نعم الله عز وجل على عبده, وكلما كان الإخلاص لله, وخشيته, وتقواه هي الملازمة للإنسان في أقواله وأفعاله, نال أنواع البركات, فضلاً من الله ونعمة.

ومن تلك البركات: البركة في العلم, حيث ينتفع الناس بعلمه في حياته وبعد موته, ويُكتب الله له القبول والانتشار لمصنفاته وكتبه. قال العلامة العثيمين رحمه الله: البركة التي يجعلها الله تعالى على يد الإنسان أنواع: البركة في علمه، بحيث لا يجلس مجلسًا إلا انتفع الناس بعلمه، ولا شك أن من بركات الإنسان أن يكون حريصًا على نشر العلم، ويسلك في نشره الوسائل التي تُشوِّق الناس إلى العلم، ولا تُملُّهم 

 وكما أن للعلم بركة, فإن له حلاوة ولذة, يعرفها أهل العلم الذين لذتهم في طلب العلم, والرحلة في التحصيل, واقتناء وقراءة الكتب النافعة المفيدة.

للسلف أقوال في بركة العلم ولذته, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.

  • بركة العلم:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: بركة العلم: أن يكون الإنسان مباركًا في علمه، في الانتفاع به، وعبادة الله تبارك وتعالى على بصيرة، ويكون مباركًا في علمه بنشره بين الأمة وتعليمهم إيَّاه، ويكون مباركًا في علمه بالتأليف والكتابة، وانظر إلى بركة العلماء السابقين الذين كتبوا وألَّفوا، كيف انتفعت الأمة بهم إلى اليوم وإلى ما شاء الله عز وجل، فصار هذا العلم بركة عظيمة لهم. 

  • من أعظم أسباب بركة العلم: الإخلاص فيه لله عز وجل:

قال الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ: من أعظم أسباب البركة في العلم أن تكون نيتك صالحة فيه,...والنية الصالحة في العلم أن تنوى أن ترفع الجهل عن نفسك, ثم تنوى رفع الجهل عن عيرك, فمن استقام له هذان الأمران, أو الأول منهما, فهو على نية صالحة في العلم, فيرجى له القبول, وهذا القصد وهذه النية ينفعانك كثيراً إذا استحضرتهما في العلم.

  • من بركة العلم إضافة الأقوال إلى قائليها:

قال الإمام القرطبي رحمه الله: شرطي في هذا الكتاب: إضافة الأقوال إلى قائليها, والأحاديث إلى مصنفيها, فإنه يقال: من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله.

  • الرياء وحب الظهور والتفوق على الأقران من أسباب حرمان بركة العلم:

قال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد رحمه الله: العلم عبادة...وعليه فإن شرط العبادة إخلاص النية لله سبحانه وتعالى, لقوله: ﴿ {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ۚ} [البينة:5]

فإن فَقَدَ العلمُ إخلاص النية, انتقل من أفضل الطاعات إلى أحطِّ المخالفات, ولا شيء يُحطمُ العلم مثل الرياء, رياء شركٍ, أو رياءٍ إخلاص, ومثل التسميع, بأن يقول مُسمِّعاً: علِمتُ وحفِظتُ. وعليه, فالتزم التخلص من كل ما يشُوبُ نيتك في صدق الطلب, كحب الظهور, والتفوق على الأقران, وجعله سلماً لأغراض وأعراض, من جاهٍ, أو مال, أو تعظيم, أو سمعة, أو طلب محمدة, أو صرف وجوه الناس إليك, فإن هذه وأمثالها إذا شابت النية أفسدتها, وذهبت بركة العلم.

 

  • من دعا إلى نفسه فالغالب أنه يُحرم بركة العلم:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الغالب أن من دعا لنفسه - والعياذ بالله - أن الله تعالى لا يجعل في علمه بركة، وأن من أراد الحق جعل الله تعالى في علمه بركة حتى لو كان يتكلم بكلام لا يتكلم به إلا أدنى طلبة العلم، ولهذا نجد أناسًا عندهم حسن نية وقصد، يتكلمون بكلام سهل يأتي به أدنى طالب علم، ومع ذلك يكون لهم تأثير بليغ؛ لأنهم يريدون الحق وبيان الحق.

  • التعمق في المسائل على وجه التعنت والتكلف يُحرم بركة العلم:

& قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قال الأوزاعي: إن الله إذا أراد أن يحرم عبده بركة العلم, ألقى على لسانه المغاليط, فلقد رأيتهم أقل الناس علماً.

فائدة:

مجالسة أهل العلم فيها بركة:

& قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر البراك: مجالسة أهل العلم والصلاح فيها خير وبركة لمجالسيهم.

فائدة:

كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فيها خير وبركة:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: أنني أحثُّ...على اقتناء كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله, وكذلك تلميذه ابن القيم رحمه الله, لما فيها من الخير والبركة والعلم الغزير الذي لا تجده في غيرها, ولما فيها من قوة الاستنباط من أحكام الكتاب والسنة, فهي كتب لم يخرج مثلها فيما أعلم.

لذة العلم وحلاوة تحصيله:

** قال النضر بن شميل بن خرشة: لا يجد الرجل لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه.

** قال أبو الحسين ابن فارس اللغوي: سمعت الأستاذ ابن العميد يقول: ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة ألذّ من الرئاسة والوزارة التي أنا فيها, حتى شاهدت مذاكرة الطبراني, وأبي بكر الجعابي بحضرتي, فكان الطبراني يغلبه بكثرة حفظه, وكان الجعابي يغلب بفطنته وذكائه, حتى ارتفعت أصواتهما, ولا يكاد أحدهما يغلب صاحبه, فقال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي, فقال: هات, فقال: ثنا أبو حليفة, أنا سليمان بن أيوب, وحدث بحديث, فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة, فاستمع مني حتى يعلو فيه إسنادك, فخجل الجعابي, فوددت أن الوزارة لم تكن, وكنت ابناً للطبراني وفرحت لفرحه, أو كما قال.

** قال عبداللطيف بن أبي العز يوسف بن محمد بن علي بن أبي سعد, المعروف قديماً بابن اللباد: من لم يحتمل ألم التعلم, لم يذق لذة العلم.

** محمد بن الحسين الشيباني إذا سهر الليالي في طلب العلم, وانحلت له المشكلات, كان يقول: أين أبناء الملوك من هذه اللذات.

** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله:

& اللذات كلها بين حسي وعقلي, وغاية اللذات العقلية: العلم.

& لقد كنت في حلاوة طلبي العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل لأجل ما طلب وأرجو. كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث, وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء, فكلما أكلت لقمة شربت عليها, وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم.

** قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: ليس في الدنيا أطيب عيشاً من منفرد عن العالم بالعلم, فهو أنيسه وجليسه.

** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لذة العلم أعظم اللذات.

** قال العلامة ابن القيم رحمه الله:

& اللذة الحاصلة من غنى المال إما لذة وهمية وإما لذة بهيمية, فإن صاحبه إن التذَّ بنفس جمعه وتحصيله فتلك لذة وهمية خيالية, وإن التذَّ بإنفاقه في شهواته فهي لذة بهيمية, وأما لذة العلم فلذة عقلية روحانية, وهي تشبه لذة الملائكة وبهجتها. وفرق بين اللذتين.

& العلم حياة القلوب, ونور البصائر, وشفاء الصدور, ورياض العقول, ولذة الأرواح,

** قال العلامة السعدي رحمه الله: لذة أهل العلم بالتساؤل عن العلم والبحث عنه فوق اللذات الجارية في أحاديث الدنيا.

                     كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ