عبد الله بن عقيل.. الفقيه الحنبلي وشيخ المصرفية الإسلامية

ملفات متنوعة

يقول الشيخ عن نفسه :-خدمت الدولة مدة اثنتين وخمسين عاماً تقريباً،وعملت في القضاء لخمسة ملوك،وفي تلك المدة لم ينقض لي حكم من فضل الله.

  • التصنيفات: تراجم العلماء -


تُوفِّي شيخُنا الفقيه الحنبلي عبد الله بن عبد العزيز بن عقيل بعد ظُهر يوم الثلاثاء، ثم صُلِّي عليه في جامع الملك خالد بأمِّ الحمام عصر يوم الأربعاء، وقد صُلِّي على الشيخ قبل عَشرات السنين صلاةَ الغائب؛ حيث خرَج قديمًا (سنة 1355هـ) مع لجنةٍ مُكلَّفة بتحديد الحدود بين السعودية واليمن أيَّام الإمام يحيى بن حميد الدين فمَرِضَ الشيخُ ابن عقيل بحمَّى الملاريا وجنديٌّ يُقال له: ابن عقيل، فسَلِمَ الشيخ، وتُوفِّي الجندي، وكان هذا في مركز الخوبة، فذهب ناسٌ يوم الجمعة منها إلى جيزان، فقالوا: تُوفِّي ابن عقيل، فظنُّوه الشيخ، وقال الإمام: صلُّوا على أخيكم الشاب عبد الله بن عقيل، فصلُّوا عليه صلاةَ الغائب، فقال له الفقيه عقيل بن أحمد: "خلاص أنت صلينا عليك، فإذا متَّ فلن نُصلِّي عليك مرَّة ثانيةً"، وقد ذكَر هذا شيخُنا ابن عقيل في كتاب "فتح الجليل" بقلم أحد تلامذته، والشيخ ابن عقيل تُوفِّي وعُمره سبعٌ وتسعون سنة، وقد اشتغَل في أوَّل سني عمره بطلب العلم في الكتاتيب، ثم لَمَّا بلَغ سنَّ التمييز صارَ يحضر جلسات المشايخ مع والده، ثم درَس في المدارس الحديثة حين افتُتِحت في عنيزة سنة 1348هـ، ثم التحَقَ بمدرسة الداعية الشهير عبد الله القرعاوي، واستَفاد منه، ثم التحَقَ بحلقات الشيخ ابن سعدي، وكان من أبرز طُلابه، ولشيخنا ابن عقيل كتابٌ قيِّم ذكر فيه المراسلات بينه وبين شيخه ابن سعدي، ولا سيَّما فترة تولِّيه القَضاء في منطقة جيزان، وقد تولَّى الشيخ ابن عقيل القضاء في أبي عريش منذ سنة 1357هـ، ثم تولَّى القضاء في عنيزة، ثم في الخرج، ثم في الرياض، ثم في عنيزة مرَّة أخرى، ثم تولَّى عضويَّة الإفتاء سنة 1375هـ، وكان أوَّل عضوٍ رسمي في الإفتاء، وفيها لازَم الشيخ محمد بن إبراهيم حتى تُوفِّي سنة 1389هـ، وكان ساعده الأيمن، ثم بَقِيَ في الإفتاء حتى سنة 1391هـ؛ حيث تولَّى قَضاء التمييز في الرياض، ثم عمل عضوًا في مجلس القضاء الأعلى، ثم تقاعَد سنة 1406هـ.

ويقول الشيخ عن نفسه: "خدَمتُ الدولة مدَّة اثنين وخمسين عامًا تقريبًا، وعملت في القضاء لخمسة ملوك، وفي تلك المدَّة لم يُنقَض لي حُكم من فضل الله"، وهذا يدلُّ على عُلُوِّ كعبه في القَضاء، وأنَّ تاريخه القضائي حافلٌ بإرثٍ كبير.

وقد تولَّى الشيخ عضوية لجانٍ عدَّة؛ في الأوقاف، وترسيم حُدود حرم المدينة، واستعراض مُقرَّرات مناهج وأنظِمة التعليم في وزارة المعارف... إلخ، كما تولَّى تحريرَ صفحة الفتاوى في جريدة "الدعوة".

ومن أبرز أعمال الشيخ أنَّه تولَّى رئاسةَ هيئة شركة الراجحي المصرفيَّة مدَّة اثنتين وعشرين سنةً، منذُ تاريخ 7/3/1409هـ، وحتى اعتَذَر منها بتاريخ 3/3/1431هـ، وقد عَمِلَ نائبًا له في فترة رئاسته أربعةٌ من أهل العلم، يعتَذِرُ واحدٌ، ويَجِيء آخَر، والشيخ مستمرٌّ في رئاسة الهيئة، حتى اعتَذَر منها سنة 1431هـ.

والشيخ تميَّز بفِقهِه للمذهب الحنبلي، وربما لا أُبالِغ إذا قلت: إنَّه المرجع الأوَّل للمذهب الحنبلي في المملكة، وقد شرُفت بالتتلمذ عليه لسنواتٍ عدَّة، فرأيت ضبطَه العجيب للمذهب الحنبلي، حتى إنَّه ككتابٍ مفتوح من كتب الحنابلة، مع عنايته البارزة بالعلوم الأخرى، وبما يُقرِّره العلماء المحقِّقون من أمثال شيخ الإسلام ابن تيميَّة وابن القيم وابن رجب وغيرهم، ناهيك عن نَفَسٍ طويل في تدريس الطلبة، لا يقدر عليه إلا القلَّة من المشايخ، خُصوصًا مَن امتدَّ عمره للتسعين وما بعدها، حيث كان يستَقبِلُ الطلبة في بيته بعد الفجر، وفي الضحى، وبعد الظُّهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، فكان الكتاب والطلاب صَبُوحه وغَبُوقه، وهِجِّيريه، مع جلدٍ في فعل الطاعة، والاستمرار في العبادة، حتى إنَّه كان يسافر للعمرة كلَّ شهرٍ في أيَّام البيض، حتى مع تقدُّم سنِّه، إلى أنْ أقعَدَه المرض في السَّنة الأخيرة من عُمره، أو قبلها بقليل.

رَحِمَ الله الشيخ، وبارَك في ذُريَّته، وجمعنا به في مستقرِّ رحمته.


شبكة نور الإسلام

المصدر: د. يوسف بن أحمد القاسم--شبكة نور الإسلام