أميل إلى المرأة ذات الأقدام الصغيرة

خالد عبد المنعم الرفاعي

شاب متزوج يشكو من كونه يميل إلى المرأة ذات الأقدام الصغيرة، بينما لم يجد زوجته كذلك.

  • التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية - تربية النفس -
السؤال:

 السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب متزوجٌ بطريقة تقليدية (وهو شيءٌ أفتخر به)؛ حيثُ عرَّفَتْني والدتي على فتاة تصغرني بـ5 سنوات من العمر وجامعية فتزوجتُها، وهي فتاة مؤدَّبة وخَلُوق، وأنا أحترمها جدًّا.

مشكلتي التي سأعرضها قد تبدو سخيفةً للكثيرين، لكن للأسف هذا هو الواقع الذي أعيش فيه.

مشكلتي أن لديَّ ميولاً للمرأة الناعمة (التي تملك يدًا وقدمًا صغيرة الحجم)، وبعد الزواج تفاجأتُ بأنَّ زوجتي تملك يدين وقدمين بحجم كبير نسبيًّا بالنسبة لقريناتها من النساء، ولَم أكنْ أظُنُّ أنها ستكون مشكلةً أبدًا بالنسبة لي، ولكني أصبحتُ كثير السرحان، وأظن أنني غير مُستقرٍّ جنسيًّا، ولا أشْعُر أبدًا بإثارة حين أرى قدميها على العكس من الأقدام الصغيرة.

فكيف أتصرف في هذه المشكلة؟ وهل يمكن أن تختفيَ مع الزمن؟

أتمنى توجيهي وإرشادي للصواب.

وجزاكم الله خيرًا.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فبارك الله لك، وبارك عليك، وجمع بينكما على خيرٍ.

مشكلتُك أيها الأخ الكريم ليستْ سخيفةً كما تظن، فمقاييسُ الجمال والجاذبية تؤثِّر بلا شك على اختيار شريك الحياة، وهي تختلف باختلاف المجتمعات، والخلفية الثقافية والحضارية، وتختلف مِن مجتمع ريفيٍّ لمجتمع مدنيٍّ، والذي يظهر مِن خلفيَّاتك الثقافية والاجتماعية أنك من بيئة لا تنتشر فيها ثقافة عِشق القدمين الصغيرتين؛ فأنت لستَ من الصين ولا اليابان الذين يحرصون على طيِّ قدمي الفتاة مِن الصِّغَر كيما تنشأ صغيرةَ القدمَيْنِ، ويستخدمون في ذلك وسائلَ معروفة من قرون طويلة، ورثوها جيلاً بعد جيل، وهذا يُرجِّحُ أن ما تشعر به هو نوع من اضطرابات الإثارة الجنسيَّة، أو التفضيل الجنسي، فمصدرُ إثارتك واهتمامك، ولذتك الجنسية هو صِغَر القدمين واليدين، حتى صارا مصدرَ النشوة عندك.

وهذه حالة تُصيب بعضَ الرجال دون النساء؛ أعني: الإثارة الجنسية بجزءٍ ما مِن جَسَد المرأة، ومِن ثَمَّ فأنت بحاجة حقيقيَّة لاستشارة طبيب نفسي متخصصٍ، والكلام معه فيما يجب عليك فعلُه لتعديل ذلك السلوك.

وكذلك هناك علاجٌ إيمانيٌّ لتعديل السلوك، فأي عادة غير مرغوبة أو خُلُق يُمكن تعديلُه، والخروج منه بأدوية الشَّرع، فأنت تعلمُ أنَّ أكثر الأخلاق والعادات والمهارات مُكتسبة، وقد نبَّه على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري: «ومَن يستعفِفْ يُعفَّه الله، ومَن يستغنِ يُغْنِه الله، ومن يتصبَّر يُصبِّرْه الله، وما أُعطِي أحدٌ عطاء هو خير وأوسع من الصبر»، وقد روى البيهقيُّ في "شعب الإيمان" عن أبي الدرداء قال: «إنَّما العلم بالتعلُّم، والحلم بالتحلُّم، ومَن يتحرَّ الخير يُعطَه، ومن يتوقَّ الشر يُوقَه».

فبالمجاهَدة ومُكابَدة الصبر تتغيَّر الطِّباع ويتعدَّل السلوك، وليس هذا صعبًا ولا مستحيلاً، فتكلَّف الاهتمام بزوجتك ككلٍّ حتى يكون طبعًا وسجيَّة لك، وهذا يتطلب منك إدراك طبيعة لذَّات الدنيا ونعيمها، وأنه متاع منقطع وناقص بالذات، ولذاتها لا تصفو أبدًا من كَدَرٍ ولا تَدوم، بخلاف نعيم الآخرة ولذتها؛ فهي دائمة كاملة خالصة من كل كَدَرٍ وألم، ففيها ما تشتهيه الأنفس، وتَلذُّ الأعين مع الخُلُود أبدًا.

أكثرُ الشهوات حسيًّا النساء، وقد يرى الإنسان امرأةً في ثيابها، فيُخيَّلُ له أنها أحسن مِن زوجته، أو يتصور بفكره المُسْتَحْسَنات، وفكره لا ينظر إلا إلى الحسن من المرأة، فيسعى في التزوُّج، فإذا حصل له مراده لم يزل ينظر في العيوب الحاصلة التي ما كان يتفكَّرُ فيها فيمل ويطلب شيئًا آخر، ولا يدري أن حصول أغراضه في الظاهر ربما اشتمل على مِحَنٍ، منها: أن تكون الثانية لا دين لها أو لا عقل، أو لا محبة لها أو لا تدبير، فيفوت أكثر مما حصل!

وهذا المعنى هو الذي أوقع الزُّناة في الفواحش؛ لأنهم يجالسون المرأة حالَ استتار عيوبها عنهم، وظهور محاسنها، فتلذُّهم تلك الساعة، ثم ينتقلون إلى أخرى!

فليعلَمِ العاقلُ أن لا سبيل إلى حصول مرادٍ تام كما يريد؛ {وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ} [البقرة: 267]، وما عيبُ نساء الدنيا بأحسنَ من قوله عز وجل: {وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ} [البقرة: 25]؛ قاله ابن الجوزي في صيد الخاطر (ص: 309).

فتدبَّر أمرَ ما أنت فيه بصريح العقل، ووازِنْ بين الصفات الرائعة في زوجتك، وما تراه أنت فيها من نقصٍ لا يسلم منه إنسان، وتكيَّف معه بالرضا بما قسمه الله لك، فهذه سياسةُ نفسك التي بين جنبَيْك، وأرشَدَ لهذا الصادق المصدوق الذي لا ينطقُ عن الهوى؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْرَك مؤمن مؤمنةً، إن كره منها خُلُقًا رضي منها آخر»، أو قال: «غيره»؛ رواه مسلم عن أبي هريرة، فأعلمنا صلى الله عليه وسلم أن الكمالَ عزيز، وأن النعيم في الدنيا ناقصٌ دائمًا، وأن العاقل مَن وازن وقدَّم الأعلى فالأعلى، فماذا يصنع المؤمن بامرأةٍ رائعةِ الجمال، غير أنها خبيثة النفس؟

كما قال الشاعر:

جَمَالُ الوَجْهِ مَعْ قُبْحِ النُّفُوسِ          كَقِنْديلٍ عَلَى قَبْرِ المَجُوسِي


وفي الختام أوصيك أيها الأخ الكريم بصدق اللُّجوء إلى الله بالدعاء أن يصرفَ عنك، وأن يرزقك الرضا والقناعة بما قسَمَه لك.

وفَّقك اللهُ لكلِّ خيرٍ، ورزقكما السعادةَ والهَناءَ.