دحض مقولة أن النبي إذا نظر لمتزوجة طلقها زوجها وتزوجها

خالد عبد المنعم الرفاعي

السؤال:

السلام عليكم انا قرأت للقرطبي تفسير سورة الأحزاب و لما القرطبي جاء ليفسر آية ايها النبي انا احللنا لك ازواجك اللاتي اتيت اجورهن و ما ملكت يمينك. قال إن الرسول إذا وقع نظرة علي إمرأة وجب علي زوجها أن يطلقها و الرسول يتزوجها. ليه القرطبي قال هذا الكلام لماذا علي الزواج طلاق زوجته إذا نظر الرسول الي زوجة الرجل

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:

فما ورد في السؤال قد حكاه بعض أهل العلم أنه من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وقد عزاه القاضي ابن العربي لأبي المعالي الجويني، وقاله غيره من متأخيري الشافعية الذين لا يميزون بين صحيح الحديث وضعيفة، وقد نص أهل العلم على أن هؤلاء قليلي البضاعة في الحديث الشريف، ومنهم وقال النووي كما في "الروضة": "...هذا الوجه حكاه البغوي وهو غلط، ولم يذكره جمهور الأصحاب وغلطوا من ذكره"، وكذلك قال ابن الصلاح كما نقله ابن الملقن عنه: "وهو غلط منكر وددت محوه منه وتبع فيه صاحب مختصر الجويني، ومنشؤه من تضعيف كلام أتى به المزني"، والحافظ ابن كثير في  "تفسيره"، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري"، ومعتمد الجويني بعض الروايات المتهالكة التي نسجت حول قصة زواجه صلى الله عليه وسلم من زينب بنت جحش، غير منتبه لشدة ضعفها.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى لابن تيمية (6/ 616-617): "ولكن أبو المعالي مع فرط ذكائه وحرصه على العلم، وعلو قدره في فنه كان قليل المعرفة بالآثار النبوية، ولعله لم يطالع علاتها بحال حتى يعلم ما فيه، فإنه لم يكن له بالصحيحين البخاري ومسلم وسنن أبي داود والنسائي والترمذي وأمثال هذه السنن علم أصلاً، فكيف بالموطإ ونحوه، وكان مع حرصه على الاحتجاج في مسائل الخلاف في الفقه إنما عمدته سنن أبي الحسن الدارقطني، وأبو الحسن مع تمام إمامته في الحديث؛ فإنه إنما صنف هذه السنن كي يذكر فيها الأحاديث المستغربة في الفقه ويجمع طرقها؛ فإنها هي التي يحتاج فيها إلى مثله، فأما الأحاديث المشهورة في الصحيحين وغيرهما فكان يستغني عنها في ذلك؛ فلهذا كان مجرد الاكتفاء بكتابه في هذا الباب يورث جهلاً عظيمًا بأصول الإسلام؛ واعتبر ذلك بأن كتاب أبي المعالي، الذي هو نخبة عمره "نهاية المطلب في دراية المذهب"، ليس فيه حديث واحد معزو إلى صحيح البخاري إلا حديث واحد في البسملة، وليس ذلك الحديث في البخاري كما ذكره.

ولقلة علمه وعلم أمثاله بأصول الإسلام اتفق أصحاب الشافعي على أنه ليس لهم وجه في مذهب الشافعي، فإذا لم يسوّغ أصحابه أن يعتد بخلافهم في مسألة من فروع الفقه كيف يكون حالهم في غير هذا؟ وإذا اتفق أصحابه على أنه لا يجوز أن يتخذ إمامًا في مسألة واحدة من مسائل الفروع فكيف يتخذ إمامًا في أصول الدين! مع العلم بأنه إنما نيل قدره عند الخاصة والعامة بتبحره في مذهب الشافعي - رضي الله عنه - لأن مذهب الشافعي مؤسس على الكتاب والسنة، وهذا الذي ارتفع به عند المسلمين، غايته فيه أنه يوجد منه نقل جمعه أو بحث تفطن له، فلا يجعل إمامًا فيه كالأئمة الذين لهم وجوه.

إلى أن قال: ولقلة علمه بالكتاب والسنة وكلام سلف الأمة يظن أن أكثر الحوادث ليست في الكتاب والسنة والإجماع ما يدل عليها، وإنما يعلم حكمها بالقياس، كما يذكر ذلك في كتبه، ومن كان له علم بالنصوص ودلالتها على الأحكام علم أن قول أبي محمد بن حزم وأمثاله: إن النصوص تستوعب جميع الحوادث:- أقرب إلى الصواب من هذا القول، وإن كان في طريقة هؤلاء من الإعراض عن بعض الأدلة الشرعية ما قد يسمى قياسًا جليًا، وقد يجعل من دلالة مثل فحوى الخطاب والقياس في معنى الأصل، وغير ذلك". اهـ.

أيضًا قد بيّن القاضي ابن العربي بطلان ما نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم من كونه نظر إلى زينب بنت جحش وتعلق بها قلبه، فقال: هكذا قال إمام الحرمين، وقد بينا الأمر في قصة زيد بن حارثة كيف وقع.

وما أشار إليه في كتابه "أحكام القرآن"(3/ 577-578): "... وهذه الروايات كلها ساقطة الأسانيد؛ إنما الصحيح منها ما روي عن عائشة أنها قالت: لو كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كاتما من الوحي شيئا لكتم هذه الآية: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ}[الأحزاب: 37] يعني بالإسلام، {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: 37] يعني بالعتق، فأعتقته: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} [الأحزاب: 37]، إلى قوله: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} [الأحزاب: 37]، وإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما تزوجها قالوا: تزوج حليلة ابنه، فأنزل الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40].

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبناه وهو صغير، فلبث حتى صار رجلاً، يقال له زيد بن محمد، فأنزل الله تعالى: { ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ } [الأحزاب: 5]، فلان مولى فلان، وفلان أخو فلان، هو أقسط عند الله يعني أنه أعدل عند الله.

قال القاضي: وما وراء هذه الرواية غير معتبر، فأما قولهم: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - رآها فوقعت في قلبه فباطل فإنه كان معها في كل وقت وموضع، ولم يكن حينئذ حجاب، فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة، ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج، وقد وهبته نفسها، وكرهت غيره، فلم تخطر بباله، فكيف يتجدد له هوى لم يكن، حاشا لذلك القلب المطهر من هذه العلاقة الفاسدة.

وقد قال الله له: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ } [طه: 131]، والنساء أفتن الزهرات وأنشر الرياحين، فيخالف هذا في المطلقات، فكيف في المنكوحات المحبوسات، وإنما كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل: إن زينب زوجك، ولم يكن بأسرع أن جاءه زيد يتبرأ منها، فقال له: اتق الله، وأمسك عليك زوجك، فأبى زيد إلا الفراق، وطلقها وانقضت عدتها، وخطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على يدي مولاه زوجها، وأنزل الله القرآن المذكور فيه خبرهما، هذه الآيات التي تلوناها وفسرناها.

 فقال: واذكر يا محمد إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه: أمسك عليك زوجك، واتق الله في فراقها، وتخفي في نفسك ما الله مبديه يعني من نكاحك لها، وهو الذي أبداه لا سواه.

وقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله تعالى إذ أوحى إليه أنها زوجته لا بد من وجود هذا الخبر وظهوره؛ لأن الذي يخبر الله عنه أنه كائن لا بد أن يكون لوجوب صدقه في خبره، هذا يدلك على براءته من كل ما ذكره متسور من المفسرين، مقصور على علوم الدين.

فإن قيل: فلأي معنى قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: أمسك عليك زوجك، وقد أخبره الله أنها زوجته لا زوج زيد؟ قلنا: هذا لا يلزم؛ ولكن لطيب نفوسكم نفسر ما خطر من الإشكال فيه: إنه أراد أن يختبر منه ما لم يعلمه الله به من رغبته فيها أو رغبته عنها، فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهية فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها.

فإن قيل: فكيف يأمره بالتمسك بها، وقد علم أن الفراق لا بد منه، وهذا تناقض؟ قلنا: بل هو صحيح للمقاصد الصحيحة لإقامة الحجة، ومعرفة العاقبة؛ ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان، وقد علم أنه لا يؤمن، فليس في مخالفة متعلق الأمر لمتعلق العلم ما يمنع من الأمر به عقلا وحكما، وهذا من نفيس العلم؛ فتيقنوه وتقبلوه". اهـ.

إذا تقرر هذا، علم بطلان ما ذكره الجويني، وأنه غير لَائِق بِمَنْزِلَة رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفيعة، وخلقه العظيم؛ والقرآن الكريم يدل على بطلان هذه الخصوصية المدعاة، حيث قال جل وعلا: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا } [الأحزاب: 52]،، والله أعلم.